الحبال... نصير الإنسان عبر التاريخ
يقول سبحانه وتعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) يعد الحبل مصدر للقوة والترابط في المجتمع الإنساني منذ آلاف السنين، وفيه وصية من الخالق عز وجل في التماسك والترابط بين الناس، فارتبط الحبل ارتباطاً شديداً بأساسيات ومعدات الحياة البشرية القديمة التي ساعدت الإنسان الأولي على التكييف والتعايش للحصول على متطلبات الحياة.
ومن هنا باتت الحبال من أساسيات تراث المجتمع الإماراتي عبر التاريخ، مهنةً واستخداماً.. مارسها آبائنا وأجدادنا منذ نعومة أظافرهم، وسارت الأجيال بعدها على خُطاهم، موقنين بأهمية التمسك بتفاصيلها، ففيها شدت رحال السفن وتوازن شراعها، وفيها تماسكت أركان البيوت ورفعت أسقفها، وبها يكمن توازن دواب الصحراء الأصيلة، فأمسى الحبل من أهم الأدوات التي يلجأ إليها أصحاب الحاجة من أجل القيد والتوجيه ابتغاء مصلحة الإنسان، فالحبل بالتالي نصير الإنسان في حياته عبر التاريخ.
وعندما نتحدث عن تاريخ الحبال لابد أن نلقي الضوء على مهنة «صناعة الحبال» وهي حرفة قديمة وتقليدية مارسها آباؤنا وأجدادنا، يحرك صانعها أصابعه للأعلى والأسفل في مشهد يدعو للانبهار والذوق الإبداعي، برغم صعوبة إمكانية تعلمها إلا أن الكثير من أباءنا وأجدادنا ترتسم على قسمات وجوههم الخبرة والمهارة في صنعها، وما زالت تفاصيل هذه الحرفة كامنة في عقولهم كجزء لا يتجزأ مع كل قصة قديمة عاشوها في أيام الزمن الجميل.
تمكن الإنسان الإماراتي القديم بعد تعب وعناء شديد من إيجاد مفردات بسيطة لصنع منها أغراض متنوعة أفادته في مسيرة حياته على أرض الآباء والأجداد، ومن هذه البيوت، «بيت البحر» الذي كان يعيش فيه سكان المناطق الساحلية، ومن أهم مكوناته "البراجيل" التي استخدمت كمكيفات طبيعية دخلت في صناعته الحبال، من خلالها تأتي النسمات الباردة إلى أهل الدار، فيتغلبون بها على حرارة الجو وتفريغ المنزل من الهواء الساخن في الوقت ذاته عبر النظام الدقيق التي بنيت به هذه "البراجيل" بارتفاعات تصل أحيانا إلى 40 متراً للأثرياء والمقتدرين ماديا، أما باقي الأفراد فيقومون بعمل براجيل متوسطة الارتفاع ولا تتجاوز 5 أمتار فقط، وإلى جانب البراجيل نجد «اليزايا»، وهي عبارة عن مجموعة من سعف النخيل جمعت إلى جوار بعضها بواسطة الحبال.
مصادر الحبال وأنواعها:
تتراوح بين الغليظ وما دونه وحتى الخفيف، حسب الوظيفة التي يكرس من أجلها، وإذا كانت المواد التي تفتل منها الأمراس والحبال اليوم عديدة بينها البلاستيك والقطن والتيل وحتى الأسلاك المتينة، فإننا في ماضي الإمارات نعتمد فقط على خيوط الليف الذي هو في عسج النخل ويقع في قمة الشجرة.
هذا الليف يصعب أن يروض فيفتل أو يضفر في شكل حبل دون تليينه بواسطة عملية تنقيع في الماء لأيام ثم يستخرج ويفرك ومن ثم يتم جمعه في صورة فتائل يجري جدلها معه لتكوين الحبل، وقد يكون الحبل من فتيلتين أو ثلاث وبكثافات مختلف توظف فيها الألياف بحسب الحاجة التي تخصص لها الحبال.
ومن أقدم أنواع الحبال وأشهرها هو الغضف الذي يستخدم في البحر مثل حبال الكمبار وهي من الأصناف الغليظة، ومن أنواع الحبال كذلك الشروط التي تستخدم في العمليات الخفيفة كالسلال وبناء العرشان وغيرها من حاجيات الحياة.